كرست دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال السنوات الماضية ريادتها العالمية في مجال استشراف المستقبل والاستعداد له، من خلال تبنيها العديد من المبادرات المبتكرة لرسم وصناعة المستقبل على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
وشكل استشراف المستقبل في دولة الإمارات العربية المتحدة كلمة السر لكل ما تحقق من إنجازات تنموية ومشاريع حضارية على أرض الدولة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" وأخوانه القادة المؤسسين الذين تطلعوا باستمرار إلى تعزيز مكانة الإمارات على خارطة الدول المتقدمة وتحقيق ريادتها في كافة المجالات.
وعلى مدار العقود الماضية تحولت صناعة المستقبل واستشرافه إلى نهج ثابت في دولة الإمارات التي صاغت تجربتها التنموية وفق خطط واستراتيجيات واضحة ومحدَّدة الأهداف، لعل أبرزها في هذا الشأن "رؤية الإمارات 2021" و"الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي" وصولا إلى "مئوية الإمارات 2071" التي تقدم رؤية شاملة وطويلة الأمد تمتد خمسة عقود، وتشكّل خريطة واضحة للعمل الحكومي الطويل المدى، لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة.
وتمكنت الإمارات بفضل نهج استشراف المستقبل الذي تتبعه من تشخيص التحديات التي تواجهها في المستقبل، ووضعت الاستراتيجيات الفعَّالة للتعامل معها، حيث كانت من أوائل دول المنطقة التي انخرطت في مجال انتاج الطاقة النووية والمتجددة على الرغم من كونها دولة نفطية، كما سارعت لإطلاق العديد من المشاريع ذات التوجهات المستقبلية مثل مشاريع الفضاء والذكاء الاصطناعي.
وفي عام 2016 أطلقت الإمارات استراتيجية لاستشراف المستقبل تهدف لوضع أنظمة حكومية تجعل من استشراف المستقبل جزءاً من عملية التخطيط الاستراتيجي في الجهات الحكومية وإطلاق دراسات وسيناريوهات لاستشراف مستقبل كافة القطاعات الحيوية ووضع الخطط والسياسات بناء على ذلك.
وتتضمن الاستراتيجية بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية وموائمة السياسات الحكومية الحالية، بالإضافة لبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة.
وتركز الاستراتيجية على مواضيع تشمل قطاعات: مستقبل رأس المال البشري والشباب ومستقبل التكنولوجيا والأنظمة الذكية ومستقبل الاستدامة والبيئة وتغير المناخ ومستقبل البنية التحتية والمواصلات ومستقبل الصحة ومستقبل التعليم ومستقبل التنمية المستدامة ومستقبل بيئة الحياة الإيجابية والسعيدة ومستقبل الطاقة ومستقبل الاقتصاد والامن الاقتصادي والتجاري ومستقبل الموارد المالية ومستقبل الحكومة والخدمات الحكومية ومستقبل العلاقات الدولية والسياسية ومستقبل الأمن المائي والغذائي ومستقبل الأمن الالكتروني.
وشهد عام 2017، الإعلان عن إطلاق منصة الإمارات لاستشراف المستقبل، في خطوة هادفة إلى دعم جهود نشر ثقافة الاستشراف، وتعزيز الوعي بالفكر المستقبلي وأهميته في الاستعداد للتحديات والمتغيرات المتوقعة.
وتمثل المنصة مرجعا لتوثيق جهود الإمارات في استشراف المستقبل، وبناء القدرات الوطنية وترسيخ ثقافة استشراف المستقبل لديها من خلال توفير الموارد في مجال استشراف المستقبل، حيث تدعم المنصة استراتيجية الدولة للاستشراف المبكر للفرص والتحديات في كافة القطاعات الحيوية، وتحليلها ووضع الخطط الاستباقية بعيدة المدى على كافة المستويات ما يدعم تحقيق الأهداف الوطنية.
وتكريسا لريادتها العالمية في مجال صناعة المستقبل ومواجهة تحدياته، تستضيف الإمارات على أرضها منذ عام 2016 أعمال "مجالس المستقبل العالمية" التي تمثل أكبر ورشة عصف ذهني في العالم يجتمع فيها صناع القرار والعلماء والخبراء من أجل تقديم رؤى وأفكار لمعالجة التحديات العالمية والإقليمية والصناعية الأكثر أهمية في العالم وللمساعدة في إعداد الحكومات والشركات والمجتمعات للوصول إلى الثورة الصناعية الرابعة.