عقدت القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2020، اليوم الثلاثاء، أول جلسة نقاشية ضمن سلسلة الحوارات الافتراضية الأسبوعية التي تنعقد فعالياتها حتى موعد انطلاق مؤتمر القمة الافتراضي يومي 4 و5 سبتمبر 2020.
وأدار الجلسة الافتراضية، التي انطلقت تحت مسمى، العولمة المحلية: تعزيز الإنتاج وبناء القدرات الصناعية المحلية من أجل البقاء والنجاح"، ديكلان كاري، الصحافي السابق في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وشارك بالجلسة ممثلون عن كل من منظمة التجارة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" وشركة "أم بديجري" المتخصصة بالتكنولوجيا، والذين أشاروا إلى أن جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19" ستساهم في تسريع وتيرة أتمتة الأعمال الصناعية وتمكن الشركات الصناعية في الدول المتقدمة من منافسة الشركات التي تعتمد على العمالة منخفضة التكلفة في الدول النامية.
وبدأت العديد من الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، بوضع الخطط لإعادة بعض عمليات الإنتاج الصناعي إلى أوطانها نتيجة للاضطراب غير المسبوق الذي أحدثه الوباء في سلاسل القيمة العالمية، حسبما يرى بعض الخبراء، الذين أكدوا على ضرورة التزام الدول النامية العمل وبسرعة على تطوير القدرات الصناعية المحلية وتعزيزها بتقنيات ومهارات جديدة تسمح لها بأن تكون مساهمًا فعالًا في التجارة العالمية.
من جانبه، استعرض شياو تشون يي، نائب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، تأثير وباء فيروس كورنا على التجارة العالمية، مشيرًا إلى أن أكثر من ثلث الانخفاض المتوقع في التجارة العالمية سيكون نتيجة لارتفاع تكاليف التجارة وتعطل خدمات النقل اللوجستي.
ويعتمد الهيكل المستقبلي لسلاسل التوريد العالمية، بشكل رئيسي على دور الوباء في تسريع تبني اتجاهين رئيسيين انطلقا بالفعل منذ عدة سنوات، يتمثلان في صعود الصين كقوة لا يستهان بها في سلاسل القيمة العالمية بفضل استراتيجياتها الصناعية وارتفاع تكاليف العمالة في الدول الأخرى، والتوجه الآخر المتنامي للتقليل من الاعتماد على العمالة ورفع مستوى أتمتة عمليات الإنتاج في قطاع الصناعة، حسبما قال تشون يي.
ويتوقع شياو تشون ييأن يسرع وباء كورونا أتمتة عمليات الإنتاج، ما يقلل فرص العمل المتاحة في القطاع الصناعي، ويمكن لحكومات الدول النامية جذب الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات من خلال تبنيها لتدابير تساهم في الحد من التكاليف، مثل إزالة التعاريف الجمركية وتقليل قيود السفر وتخفيف قيود التنقل عبر الحدود.
وأكدت سيسيليا أوغاز إسترادا، المستشارة الخاصة في دائرة إدارة الشركات والعمليات في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، اتفاقها مع "شياو تشون يي" على أن الأتمتة ستقضي على الميزة النسبية التي توفرها العمالة منخفضة التكلفة في الدول النامية وستساهم في نقل عمليات الإنتاج إلى مواقع أقرب من المقرات الرئيسية للشركات العالمية والتي تتصدر سلاسل القيمة العالمية.
وأوضحت إسترادا، أن الدول النامية يتعين عليها الاستجابة لهذا التحول، توظيف جهودها لعقد الاتفاقيات التي تمكنها من تحقيق التكامل الإقليمي وتسمح لها بتوسيع التبادل التجاري مع جيرانها.
وبدوره، قال برايت سيمونز، مؤسس ورئيس شركة التكنولوجيا "أم بديجري" التي تتخذ من إفريقيا مقرًا لها، إن كورونا أثر على التجارة الإقليمية في أفريقيا بقدر ما أثر على التجارة العالمية، مؤكدًا أن التجارة الإقليمية كانت أكثر تأثرًا في بعض الحالات.
ولفت سيمونز إلى مجموعة من العوائق التي تحول دون توسيع التجارة الإقليمية داخل القارة الافريقية، بما في ذلك ارتفاع تكاليف النقل، والتي يمكن أن تجعل التجارة داخل أفريقيا أكثر كلفة من التجارة الدولية، وأنه ليس من السهل على أية شركة عزل نفسها عن سلاسل القيمة العالمية، حتى لو أرادت ذلك.
ومن جهتها قالت سيسيليا أوغاز إسترادا، في حديثها في الجلسة الافتراضية إلى ثلاث مجموعات مختلفة من السياسات الواجب توافرها كشروط مسبقة لقيام الشركات الصغيرة والمتوسطة بتبني التقنيات الحديثة في الدول النامية.
وتتضمن السياسات تطوير البنية التحتية الرقمية بشكل يضمن للشركات اتصالًا سهلًا بالإنترنت؛ والتخفيف من القيود الائتمانية التي تواجه العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تمكنها من تبني وتوظيف التقنيات الحديثة؛ وتعزيز قدرات القوى العاملة، وخاصة النساء، من خلال التدريب وتنمية المهارات، وذلك نظرًا لمشاركتهن بشكل كبير في الأنشطة التي لا تحتاج لمهارات عالية واللاتي يعتبرن عرضة للخطر في حال التوجه لأتمتة العمليات في المصانع التي يعملن بها.
وأضافت: "أن تطوير قدرات العاملين، من خلال البرامج المشتركة بين الدول، على سبيل المثال، يمكن أن تساهم في تقليل نسب البطالة بين العمال في الدول النامية بسبب التكنولوجيا."
وشددت سيسيليا أوغاز إسترادا على أهمية إعادة تقييم العلاقة بين القطاعين العام والخاص وبناء سياسات صناعية تلائم جميع الأطراف.
وتابعت: "على الحكومات الأخذ بعين الاعتبار اهتمامات كافة الجهات ذات العلاقة بالقطاع الصناعي لتتمكن من وضع سياسات أكثر واقعية، وذلك من خلال إشراك الغرف التجارية والغرف الصناعية والمنظمات غير الحكومية العاملة في القطاع الصناعي في عملية وضع السياسات."
وفيما يتعلق بالتمويل التجاري، قال شياو تشون يي إنه يعتبر أحد أبرز العوامل التي تقف عائقًا أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة في المشاركة في سلاسل القيمة العالمية، حيث أن أكثر من نصف طلبات التمويل التجاري التي تتقدم بها الشركات الصغيرة والمتوسطة يتم رفضها مقارنة بنسبة 7% فقط للشركات الكبيرة.
وأشاد شياو تشون يي بالدور الذي تقوم به التقنيات الحديثة مثل منصات سلاسل الكتل (بلوك تشين) في تسهيل التمويل التجاري للشركات الصغيرة والمتوسطة، قائلاً: "على الرغم من عدم انتشار هذه التقنيات الجديدة في الوقت الحالي، إلا أن مستقبلها واعدً وستكون لها مساهمة في نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في المستقبل من خلال التجارة الدولية".