بسبب تداعيات فيروس «كورونا» المستجد، اضطر الكثيرين إلى تغيير نمط حياتهم الذي اعتادوه خلال السنوات الماضية، الذي تطلب إعادة توزيع الأدوار بين أفراد الأسرة، فنجد من الآباء من يساعد الأبناء في مواجهة تحديات التعليم عن بُعد ويتعرف ربما للمرة الأولى على الجهد الذي تبذله الأم في متابعة أبنائها دراسياً، إلى جانب مهامها المنزلية المعتادة
رمضان الاستثنائي
ومع قدوم شهر رمضان «الاستثنائي» هذا العام ، وجدنا فتيات صرن يقمن بدور رئيس في المطبخ، وتخصيص وقت أطول لمساعدة الوالدة في تهيئة مائدة الإفطار يومياً، أما الأبناء فصارت علاقاتهم بوالديهم أقوى، عبر طول فترة الجلوس إليهم، وسماع نصائحهم وإرشاداتهم، فضلاً عن المشاركة في مهام منزلية وممارسة الهوايات، وحتى العبادات مع الأهل، خلال الشهر الفضيل، وفى هذا التقرير نستعرض بعض أراء الأزواج في تلك الفترة حسب ما ورد بموقع "الإتحاد".
مجهود كبير
وقال علي التميمي، موظف في جهة حكومية، إنه لم يتصور يوماً أن يساعد أبناءه في المذاكرة، كونه لا يمتلك مهارة الشرح وتوصيل المعلومات للغير، غير أن الوضع الجديد الذي تعيشه الأسر في شهر رمضان الجاري، وبدء تطبيق العمل والدراسة عن بُعد، والجلوس ساعات طويلة في المنزل، جعلته يساعد أبناءه الطلاب في مرحلة التعليم الأساسي، فأدرك مقدار الجهد الذي كانت تبذله زوجته في متابعة ذلك بعد عودتها من العمل، وانتهاء تأدية أعبائها المنزلية، فكان ذلك درساً عملياً له في ضرورة تقدير مجهود زوجته العاملة، ولا يقتصر دوره على تأدية مهام وظيفته الحكومية فقط، وهذا بحد ذاته سيضفي مزيداً من المحبة والألفة بين الزوجين، وكذلك يقلل الخلافات مستقبلاً، اعتماداً على فهم كل منهما لطبيعة مسؤوليات الآخر الأسرية، وأن الزوجة العاملة عليها كثير من الضغوط، يجب على الزوج مراعاتها والتخفيف عنها بقدر المستطاع، خاصة خلال شهر رمضان الذي تتضاعف فيه الواجبات المنزلية على الأمهات.
عالم المنزل
ومن جانبها، تذكر فاطمة عبد الرحيم، ربة بيت وأم لـ5 أبناء، أن شهر رمضان له طبيعة خاصة، فقد كان اجتماع أفراد الأسرة يقتصر يومياً على مائدة الإفطار، غير أن هذا الاجتماع صار طوال ساعات اليوم، وليس فقط وقت الإفطار، وهذا غير كثيراً العادات داخل البيت، وأهمها أن أبناءها، وخاصة البنات صرن يساعدنها في المطبخ، من دون أن يؤثر ذلك على متابعة دروسهن، وهذه طبعاً تجربة مفيدة لهن، ليتقن مهارات جديدة في الطهي.
وهو ما تؤكده أميرة أحمد، الطالبة الجامعية، موضحة أنها بالفعل صارت تعرف أكثر عن عالم المنزل، بسبب كثرة الجلوس فيه، ومساعدة الوالدة في كثير من مهامها اليومية، وهي تعتبر ذلك من إيجابيات البقاء في المنزل، حيث اكتسبت مهارات جديدة، سواء في الطهي، أو غيره من الأمور المنزلية، فضلاً عن قيامها بمساعدة شقيقاتها الصغريات في شرح بعض المسائل الدراسية لهن، ومشاركتهن هوايات مفيدة مثل القراءة، وذلك بعد تأدية الفروض الدينية.
تأثير فعال
وأكدت المستشارة الأسرية مريم القيواني أن إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة خلال شهر رمضان، يؤثر بشكل فعال على تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة، إذا أدرك كل فرد قيمة الدور الذي يقوم به داخل الأسرة، خاصة إذا كانت بينهم روابط قوية من الأساس، مشيرة إلى أن رمضان هذا العام، وفي هذه الظروف، سيكون رائعاً، والأدوار ستتعزز وتتكامل.
وتوضح أنه من الجميل توزيع تلك الأدوار والمسؤوليات بحسب رغبة وقدرات كل شخص، فنجد من هو مسؤول عن شراء أغراض البيت، وآخر يكون مسؤولاً عن أوقات الصلاة، وثالثاً يكون مسؤولاً عن السحور، وغيرها من المهام المنزلية البسيطة، ما يعزز الثقة بالنفس، ويعلي حس المشاركة بين أفراد الأسرة الواحدة.
ثقافة التباعد الاجتماعي
وتتابع القيواني: رمضان شهر القرآن، وننصح بعمل مجلس في كل بيتٍ يُقرأ فيه القرآن، ويقوم الأب بتعليم أهله القراءة، ويشرح لهم معاني الآيات، ويوضح أحكام وآداب الصيام، وفي الوقت ذاته، على الزوج ألا يكلِّف زوجته بما لا طاقة لها به، من حيث إعداد الطعام والحلويات، فإن كثيراً من الناس اتخذوا هذا الشهر للتفنن في الطعام والشراب والإسراف فيه، وهو ما يُذهب حلاوة هذا الشهر، ويُفوِّت على الصائمين بلوغ الحكمة منه، مشيرة إلى أن الانتفاع من شهر رمضان، بشكل إيجابي، يترك أثره على مسيرة الأسرة ككل، فتزداد حصيلة أفرادها الإيمانية، وتتقوى علاقات الأفراد، خاصة في ظل ثقافة التباعد الاجتماعي عن الأصدقاء وأغلب الأقارب. وتخلص إلى ضرورة استثمار الشهر الفضيل في تعميق هذه العلاقة من خلال إعادة توزيع الأدوار، واكتساب مهارات جديدة، تسهم في نجاح العلاقة الأسرية حالياً، ومستقبلاً.
ذكريات خاصة
أما هاني محمود، المحاسب في إحدى الشركات، قال أن شهر رمضان الحالي سيكون له ذكرياته الخاصة، من حيث التغيرات التي حدثت لنمط الحياة الأسرية خلال الشهر الفضيل، مشيراً إلى أنه كان يخرج في السابق مع أصدقائه بعد صلاة العشاء والتراويح للجلوس في أحد المقاهي، ما كان يتطلب منه النوم ساعات الظهيرة، غير أن الوضع الحالي يختلف تماماً، حيث صار يجلس أوقاتاً أطول مع أبنائه الطلاب في مراحل تعليمية مختلفة، ويستمع إلى حكاياتهم ويتعرف أكثر على عالمهم وأصدقائهم وطريقة تفكيرهم، وفي الوقت نفسه يقدم لهم نصائح وإرشادات تفيدهم في حاضرهم ومستقبلهم. وبطبيعة الحال، يؤدي الصلوات الجماعية معهم يومياً، ما يشجعهم أكثر على الالتزام بتأديتها في أوقاتها، وكذلك قراءة القرآن الكريم يومياً، فيكون بينهم سباق في الخير طوال أيام الشهر الفضيل.