وجه، اليوم، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رسالة إلى شعب الإمارات، بمناسبة مرور 15 عاماً على توليه رئاسة الحكومة الاتحادية.
وجاء في نصها ما يلي:
الإخوة والأخوات.. أبناء شعب الإمارات ..
قبل حوالي 15 عاماً، تم تكليفي برئاسة الحكومة الاتحادية.. وأمام رئيس الدولة، حفظه الله، وأمامكم جميعاً، أقسمت بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدولة الإمارات العربية المتحدة.. وأن أحافظ على كيان اتحادها.. وأصون مصالحها.. وأحترم دستورها.. وأن أرعى مصالح شعبها.. وكنتم شهوداً على تلك اللحظة.. وكان الله شهيداً على ذلك القسم.. والله يعلم أننا بذلنا ما في وسعنا.. والله يعلم أننا سخَّرنا موارد الحكومة كلها لخدمة شعبنا.. والله يعلم أننا لم نجامل أحداً على حساب مصلحة بلادنا.
ولقد أعلنتُ بعدها بعام أمام أخي رئيس الدولة وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد أول استراتيجية اتحادية.. وفي العام 2009، أعلنا رؤية الإمارات 2021، وأننا نريد أن نكون من أفضل دول العالم. وتساءل البعض عن جدوى إطلاق استراتيجية وأهداف تمتدّ على مدى 12 عاماً، ولكننا اليوم نرى نتائجها واقعاً يعيشه شعبنا.
ما حدث خلال هذه الأعوام كان مذهلاً؛ حيث عملت آلاف فرق العمل من المستويات الاتحادية والمحلية كفريق واحد لتحقيق الرؤية التي اعتمدها رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه.. رسَّخنا مبادئ التخطيط الاستراتيجي في الحكومة.. وأصبح التميز والتنافس ثقافةً في مؤسساتها.. وقُمنا بأكبر عملية إصلاح تشريعي في بلادنا عبر أكثر من 50 قانوناً جديداً لنواكب المستقبل.. وغيَّرنا من نموذج تقديم 2500 خدمة حكومية من تقليدية إلى ذكية.. وأصبحت حكومة دولة الإمارات الثانية عالمياً في الكفاءة المالية.. وأعدنا هيكلة الحكومة عدة مرات لتواكب المتغيرات.. وضاعفنا الميزانية الاتحادية 130%.. وعزّزنا تنافسيتنا لتكون دولة الإمارات الأولى عالمياً في 121 مؤشراً في مختلف المجالات.. ولا يزال عملنا مستمراً.
جواز دولة الإمارات اليوم الأقوى عالمياً.. نسبة الشعور بالأمان في دولة الإمارات الأعلى عالمياً بأكثر من 95%.. دولتنا الأولى عالمياً في مؤشر الاستقرار الكلي للاقتصاد.. والأولى عالمياً في نسبة المستشفيات المعتمدة دولياً.. والأولى عالمياً في سهولة الحصول على الكهرباء.. والأولى عالمياً في توفر الإنترنت المتنقل عريض النطاق.. والثانية عالمياً في قدرة حكومتنا على التكيف مع المتغيرات.
اقتصادنا الثاني عربياً في الحجم.. ونحن الدولة الأولى إقليمياً في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وفي سهولة ممارسة الأعمال.. ونتقدّم على محيطنا العربي في المركز الأول في أكثر من 437 مؤشراً دولياً.. وتصنيفنا السيادي المالي الحكومي الأعلى في المنطقة.
نحن الدولة الأولى عربياً في سيادة القانون وكفاءة النظام القضائي.. ولا خوف على دولة يسود فيها العدل ويُحترم فيها القانون وتُصان فيها حقوق البشر. غيَّرنا العديد من التشريعات.. وقدمنا التسهيلات للجميع لنكون اليوم الدولة الأولى عالمياً في استقطاب المواهب.. والأولى عالمياً في الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص.. والأولى عالمياً في المهارات المالية في القطاع العام.. وتعليمنا الأفضل عربياً في العلوم والرياضيات.. وإنفاقنا على البحث والتطوير في الجامعات يتجاوز 8 مليارات درهم في 2020 فقط.
خلال الفترة الماضية أيها الإخوة والأخوات ضخّت الحكومة الاتحادية 40 مليار درهم في الإسكان.. و140 ملياراً في التعليم.. و94 ملياراً في برامج التنمية الاجتماعية.. و50 ملياراً في قطاع الصحة ووقاية المجتمع.
متوسط الأعمار يقترب من الثمانين بحمد الله.. وتم تصنيف بلادنا الثالثة عالمياً في مؤشر جودة الصحة الجسدية ورضا الناس عن الرعاية الصحية.. وغيرها الكثير من المؤشرات التي سهرت فرق العمل الاتحادية المحلية على إنجازها عبر الـ15 عاماً الماضية وصولاً للعام 2021.
الإخوة والأخوات..
لم تكن الـ15 عاماً الماضية التي قضيتها مع فرق العمل في الحكومة الاتحادية سهلة.. أذكر في بداية تولي رئاسة الحكومة مَن حذَّرني من الفشل الذريع.. أذكر من نبَّهني بأن أحافظ على نجاحي في دبي ولا أجازف بمسؤوليات جديدة.. أذكر أحد كبار الشخصيات الإماراتية حدَّثني بعد عدة سنوات من تولي مسؤولياتي بقوله "توقعنا لك جميعنا الفشل.. وكنا مخطئين".. وجوابي الدائم: النجاح ليس نجاحي.. النجاح لفرق العمل.. النجاح لكل مسؤول كان ينتظر الفرصة للتغيير.. النجاح لآلاف الشباب الذين وثقنا بهم.. وأثبتوا لنا أنهم على قدر الة.
والسؤال هو: ماذا تعلمنا من الـ15 عاماً الماضية؟
تعلّمتُ أن الاتحاد قوة.. ومنعة.. وخير.. وبركة.. وأنه الإنجاز الأعظم الذي لا بد أن نحميه ونفديه ونغليه جميعاً.. قد تتنافس المؤسسات المحلية -وهذا خير- ولكن يبقى بيتنا الكبير الإمارات.. وعنواننا العظيم الإمارات.. وهويتنا الأصيلة الإمارات.. والروح التي تحركنا جميعاً هي روح الاتحاد التي تشكل كيان دولة الإمارات.. ولولا هذه الروح لم تعمل الفرق مع بعضها.. ولولا هذه الروح لم يواصل شبابنا الليل بالنهار لتشريف الإمارات.. ولولا هذه الروح لم تكن التضحيات التي شاهدتها يومياً لتحقيق إنجازات لشعب الإمارات.
تعلّمنا في الـ15 عاماً أيضاً بأن أحد أهم أسرار نجاحنا هو اهتمامنا بالإنسان.. احترام الإنسان.. أياً كان ومن أين جاء.. حفظ حقوق الإنسان وصونها.. تحفيز الإنسان ليقدم الأفضل وليحلم بالأكبر.. توفير حياة كريمة للإنسان. لا بدَّ أن نحمي هذه القيم إذا أردنا الاستمرار.. قيم التسامح.. والتعايش.. والاحترام.. والعدالة.. والحياة الكريمة للجميع.. هذه القيم هي التي ستحافظ على ديمومة التنمية للخمسين عاماً المقبلة.. القيم أهم من أي مشاريع تنموية.. الإنسان هو الذي يصنع المشاريع.. ولن يستطيع الإنسان تحقيق منجزات في دولة ليست لديها منظومة قيم إنسانية راسخة تحفظها وتحميها.
تعلّمنا أيضاً في السنوات السابقة أن النجاح ليس في عدد المشاريع المُنجزة.. ولا في عدد المؤشرات المُحققة.. ولا في حجم الموارد المرصودة.. النجاح في رضا الناس.. أن تذكرنا الأجيال ويذكرنا الوطن بالخير.. النجاح هو في أداء الأمانة بأمانة.. والقيام بمسؤولياتنا الوطنية بمسؤولية.. مسؤولية أمام الله والوطن ورئيس الدولة.
15 عاماً مرت جميلة.. سريعة.. مليئة بالعمل والإنجاز.. لم نقف ولم نتردد ولم نلتفت للوراء ونحن ننفذ رؤية أخي الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه.
15 عاماً كان فيها أخي الشيخ محمد بن زايد نعم الصديق والرفيق والداعم والقائد.. لولاه لما نجحت الحكومة الاتحادية ولما تقدمنا بهذه السرعة.. لولا حكمته.. ورؤيته.. وبصيرته.. ودعمه اللامحدود لحكومة الاتحاد لما وصل اتحادنا اليوم ليكون الكيان الأنجح والأفضل عالمياً.
15 عاماً عملتُ فيها مع أخي الشيخ سيف بن زايد وأخي الشيخ منصور بن زايد كفريق واحد.. حملا فيها المسؤوليات الأعظم في الحكومة.. ورفعا رأس دولة الإمارات.. وتابعا فرق العمل.. وواصلا العطاء دون كلل أو ملل.. فلهما كل الشكر من شعب الإمارات.. ولمجلس الوزراء الشكر موصول.
ولكل شبابنا وشاباتنا المخلصين للوطن.. الملتفين حول القيادة.. المتطلعين لأن تكون بلادهم في المركز الأول نقول حفظكم الله.. رعاكم الله.. ووفقكم الله لخدمة وطنكم.. وأمامنا 50 عاماً جديدة تمضي فيها بلادنا نحو مستقبل أعظم وأجمل بإذن الله تعالى.
القادم يتطلب جهوداً مضاعفة.. ودماءً جديدة.. حفظ الله دولتنا ورعاها وكفاها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.